عدن بلس| بقلم/ محمد تيسير الناخبي

عدن، المدينة التي كانت تُعرف يومًا بـ”كولومبيا العرب” و”لؤلؤة الجنوب”، تغرق اليوم في مستنقع الموت البطيء. أمراض قاتلة تتفشى في أحيائها، أسعار تشتعل، كهرباء غائبة، وحرّ لا يرحم، بينما الحكومة الفاسدة تمارس هوايتها المفضلة: الصمت.

في الأيام الماضية، لم تعد الأخبار عن وفيات بسبب الحُميات مجرد أرقام تُتداول بين الناس، بل تحولت إلى واقع مرير نعيشه كل يوم. أصدقاء، جيران، وأقارب، يسقطون واحدًا تلو الآخر وسط غياب تام لأي تحرك جاد من الجهات الصحية أو السلطات المعنية. مستشفيات متهالكة، أدوية مفقودة، وأطباء يعملون بما تبقى من ضمير في بيئة لا تساعد على الحياة.

وكأن المرض لا يكفي، حتى تأتي حرارة الصيف بخنقها القاتل. درجات الحرارة ترتفع بشكل جنوني، ومعها تنقطع الكهرباء لساعات طويلة. أطفال ينامون باكين من شدة الحر، ومرضى يختنقون في غرف بلا تهوية، بينما الحكومة تتفرج من أبراجها العالية.

أما الغلاء، فقد أصبح سيفًا مسلطًا على رقاب البسطاء. الأسعار تقفز يومًا بعد يوم، والدخل لا يتحرك. ربّ أسرة يبحث عن قوت أطفاله، فلا يجد إلا أسواقًا تبيع الوهم، ورواتب تذوب في اليوم الأول. لا رقابة، لا دعم، لا إحساس بالمسؤولية.

السؤال الذي يطرحه كل مواطن في عدن اليوم: أين الحكومة؟ بل، هل بقي شيء من الحكومة أصلًا؟ الفساد أكل الأخضر واليابس، والوعود الفارغة لم تعد تُقنع حتى الأطفال. سنوات تمر و”الحلول” مجرد بيانات تُقرأ على الورق، بينما الواقع يزداد سوءًا.

عدن لا تطلب الكثير. هي فقط تطلب حقها في الحياة. تطلب مستشفيات نظيفة، كهرباء مستقرة، أسعارًا عادلة، ومسؤولين يخافون الله في هذا الشعب. لكن يبدو أن من يمسك بزمام الأمور اليوم لا يسمع، أو لا يريد أن يسمع.

وفي الأخير، لا نملك سوى أن نرفع أصواتنا ونكتب. لعل الكلمات توقظ من به بقية من ضمير. وعدن ستبقى، رغم كل شيء، لأنها مدينة لا تموت.. لكنها اليوم، تُحتضر.