عدن بلس: محمد النجار
عند قراءتك لكتُب التاريخ الإسلامي يستوقفك جزء بسيط من حياة كبار الصحابة وجهابذة العلماء والصالحين، ذلك الجزء مُتعلق بزيارتهم لمدينة عدن بل ومُكوثهم فيها لفترة من الزمن، قد لاتجد إجابة شافية لسبب تلك الزيارة فكلاً له مأربهُ ومقصدهُ إلا أن هُناك مايُوحي بإرتباط هذه المدينة اي عدن بأسرار ومعاني خفية تجعل مجرد سماعك لأخبارها تستهويك لقصدها يوماً ما.
من يدري فلرُبما قد يكون هذا هو تفسير تلبية العلامة أبوبكر بن عبدالله العيدروس السقاف لدعوة أبناء مدينة عدن وأعيانها لزيارة المدينة والمكوث فيها، فقد دَخلَ مدينة عدن في 13 ربيع الثاني عام (889) هجرية(1484) ميلادي، واستقبلهُ حينها أُمراء وأعيان وأهالي وساكني المدينة بترحيب وحفاوه مُنقطعة النظير، وعندما رأى هذا الترحيب وحب الناس لهُ أحب عدن وأهلها ومكث فيها لتدريس تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فكان أول عمل يقوم به هو طلبه لحاكم عدن بناء مسجد في المدينة فكان له ذلك وسُمي المسجد بإسم مسجد العيدروس تكريماً لجهوده في نشر الدعوة والعلم والإصلاح بين الناس.
ولد العلامة أبوبكر العيدروس عام(851هـ/1447م) في مدينة تريم إحدى مدن حضرموت، كان والده عالماً جليلاً اما أمه عائشة فكانت امرأة صالحة يكفيها شرفاً أن والدها هو عمر المحضار صاحب جامع المحضار الشهير بتريم ويعود نسب أبوبكر للنبي محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وهو حفيده الثالث والعشرُون.
بدأ العلامة أبوبكر تَلَقي العلم الشرعي من والده وعمه منذ نعومة أظفاره وأخذ التصوف منهما، وحفظ القرآن الكريم وهو في سن الثامنة من العمر، ثم واصل مسيرة طلب العلم الشريف من كبار علماء حضرموت وزبيد وبلاد الحرمين حتى صار إماماً جليلاً عارفاً بالله يشار له بالبنان بزهده وعلمه وأخلاقه وكثرة عبادته.
لأن العبادة والخلوة بالله هي دأب الصالحين، كان لابوبكر خلوات بربه فقد كان يذهب للتعبد، وقيام الليل في شعاب تريم برفقة ابن عمه، أما حمل رسالة تعليم الناس الدين فبدأها بعد وفاة والده وهو في الرابعة عشر من عُمره ليخلفه بالتدريس في المسجد، حيث تتلمذ على يديه العديد من الفقهاء و طلاب العلم إلى أن قرر وهو في نهاية الأربعينيات من العُمر مغادرة تريم لنشر العلم والدَعوة إلى الله.
مكث العلامة ابوبكر العيدروس في مدينة عدن خمسة وعشرين عام ولذلك سمي ابوبكر العدني، كانت تلك السنوات مليئة بتعليم الناس أمور دينهم، حافلة بالإنفاق في السر والعلن والإصلاح بين الناس ونشر الاخلاق الإسلامية كالتواضع والكرم والتسامح، فكان نعم القدوة الحسنة والمربي الفاضل حتى صار علماً من أعلام علماء عدن بل من كبار أولياء الله الصالحين، ولغزارة علمه قصده طلبة العلم من داخل عدن وخارجها، كما له مؤلفات عديدة منها (الجزء اللطيف في التحكيم الشريف) وله ايضاً ديوان شعر سماه(محجة السالك).
للعلامة العيدروس مناقب كثيرة يكفي أن المسجد الذي أسسهُ تخرج منه الآلاف من طلبة العلم بل وما يزآل تُقام فِيه حلقات تحفيظ القرآن الكريم والدروس الدينية والدعوية حتى اليوم رغم مرور أكثر من خمس مئة عام على وفاته والتي صادفت الرابع عشر من شوال لعام(914هجرية)بعد أن عاش ثلاثة وستين عام.
دُفِنَ العلامة أبوبكر العيدروس في مدينة عدن، وخلفهُ بالمسجد من بعده ابنه العلامة أحمد المساوى إلا أنه توفى بعد أبيه بثمان سنوات ودُفِنَ بجانبه وجانب أمه بهيه وانقطعت ذرية العيدروس إلا من نسل بنته مزنة إحدى بناته الثلاث والتي تزوجت ابن عمها عبدالله علوي العيدروس وأنجبت منه أولاد وذرية ما يزالون قائمين على المسجد والقبة التي تحتضن الأضرحة حتى كتابة هذه السطور.
هذه السطور قد لا تكون استوفت حياة ومناقب ومٱثر هذا العالم الجليل الذي أحبَّ عدن وأهلها وبادلوه المحبة والذكرى العَطرة، ضريحه والذي يقع تحت قبه عظيمة مزخرفة خصصت له أمام مسجده ليوارى فيها الثرى وأفراد عائلته ومُحبيه من بعده ما يزآل يُزار من قبل أهالي عدن، بل قد تعارف سكان المدينة منذ مئات السنين على إقامة زيارة له في يوم 13 ربيع الثاني من كل عام يلقي فيها علماء المدينة المواعظ ويقرأُون سيرته للحاضرين ، ويقدم طلبة المسجد أبحاثهم، كما تُقام الاحتفالات خارج المسجد ويُعتَبر يوم زيارة العيدروس من أشهر الأيام في مدينة عدن وخارجها.










تعليقات الزوار ( 0 )