عدن بلس/ كتب_محمد علي رشيد النعماني

قبيلة يافع، تلك القبيلة الجنوبية العريقة ذات الجذور الحميرية الأصيلة من قحطان هي نموذج حي للعراقة والأصالة والتأثير التاريخي، فمنذ آلاف السنين، ارتبط اسم يافع بالشموخ والتفاني، لتُسجل بصماتها الذهبية في صفحات التاريخ الإسلامي، ولعل أبرزها دورها المحوري في فتح مصر.

تتفرع قبيلة يافع من نسبٍ ضاربٍ في عمق التاريخ، يعود إلى يافع بن قاول بن زيد بن ناعته، متصلةً بسلالة ذو رعين وحمير الكرام، وهذا النسب العريق ليس سلسلة أسماء فقط بل هو إرثٌ من القيم والمبادئ التي شكلت هوية أبناء هذه القبيلة، حيث تتجسد هذه العراقة في فرعيها الرئيسيين: يافع بني قاصد (يافع السفلى) ويافع بني مالك (يافع العليا)، اللذين انبثقت منهما مكاتب وقبائل فرعية عديدة، كل منها يحمل جزءاً من هذا الإرث المجيد.

لم تكن مشاركة يافع في الفتح الإسلامي لمصر مجرد وجود عابر، بل كانت حضوراً فاعلاً وقيادياً، ففي عهد الصحابي الجليل عمرو بن العاص، كان الصحابي مبرح بن شهاب اليافعي الرعيني على رأس ميسرة الجيش، برفقة كوكبة من أبناء قبيلته، يتقدمون الصفوف نحو فتح أرض الكنانة، ويجسد هذا الدور القيادي شجاعة اليافعيين وإقدامهم في سبيل نشر رسالة الإسلام.

وتُسجل الروايات التاريخية ليافع إنجازاً فريداً بعبورهم شرق النيل إلى ضفته الغربية ويُقال إن المنطقة التي وطأتها أقدامهم ورفرفت فيها أعلامهم سُميت بـ”الجيزة” تيمناً بهم، لتظل هذه المدينة شامخة شاهدةً على دورهم الريادي، كما كان لليافعيين مشاركة فاعلة في فتح الإسكندرية، مما يؤكد حضورهم الاستراتيجي في قلب الأحداث الكبرى.

وبعد الفتح، استقر عدد كبير من اليافعيين في مصر، خاصة في الجيزة والإسكندرية، ليُسهموا في بناء المجتمع المصري الجديد، ورغم مرور القرون واندماجهم في النسيج الاجتماعي المصري، إلا أن بصماتهم لا تزال حاضرة، وتُشير بعض المصادر إلى وجود عائلات مصرية تفتخر بأصولها اليافعية حتى اليوم.

لقد أنجبت قبيلة يافع كوكبة من الصحابة الأجلاء الذين شهدوا الفتوحات الإسلامية ورووا الأحاديث النبوية، ومنهم: مبرح بن شهاب اليافعي، وشريح بن أبرهة اليافعي، وعمرو بن شعواء اليافعي، وراشد بن جندل اليافعي، وهؤلاء الرجال الأفاضل لم يكونوا فرساناً في ساحات الوغى فحسب، بل كانوا أيضاً حماةً للدين ورواةً للحديث، وتُعرف قبيلة يافع بخصال الأنفة والكبرياء التي تتوارثها الأجيال، ففي قصة بناء سور الجيزة بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، أبدى اليافعيون في البداية تعففاً عن الامتثال، قائلين: “سيوفنا هي حصوننا”، تعبيراً عن ثقتهم المطلقة في بأسهم، ورغم امتثالهم للأمر لاحقاً، إلا أن خروجهم من داخل السور بعد فترة يظل دليلاً على روحهم الحرة وشموخهم الذي يأبى القيود، مع احترامهم لقرارات القيادة.

وفي الختام، تُعتبر قبيلة يافع مثالاً يحتذى به في الشجاعة، القيادة، والالتزام، لقد تركوا بصماتهم الخالدة في تاريخ مصر والإسلام، وما زالت قصصهم تُروى لتُلهم الأجيال القادمة، إنهم نموذجٌ لقبيلة جنوبية عريقة ساهمت بفاعلية في بناء الحضارة، وظلت وفيةً لتراثها وشموخها عبر العصور .